غزة-دنيا الوطن
ان يحصل رجل او شاب على رخصة قيادة شاحنة هو أمر اعتيادي في المجتمع العربي ولكن، فتاة تحصل عليها لا شك وأنه أمر معاكس تماما، فكيف لو كانت ذات الفتاة محجبة أيضا؟!
نهال محمود هادية، ابنة الـ 24 عاما من الحي الشرقي في مدينة الناصرة، حصلت مؤخرا على رخصة قيادة 12 طن من معلم السياقة علي عمري في مدرسة الامير في الناصرة وبادارة نادر مرشي.
نهال تتمتع بالتحدي والاصرار والارادة الصلبة التي لا تكسرها اعتى المحن وقد اصبحت محط أنظار كل من يراها تقود تلك الشاحنة، واقفين مستغربين ومتسائلين من أين لها كل هذه الجرأة والمبادرة والثقة بالنفس لأن تضع نفسها في موقف غير اعتيادي للمجتمع وخاصة من فتاة عربية وأيضا محجبة.
تعالوا معنا لنخوض رحلة تحقيق حلم نهال في الحوار التالي.
- كيف أتيت على هذه الخطوة وهل تلقيت دعما كافيا؟
لقد كان صعبا جدا اجتياز مرحلة اتخاذ القرار في خوض هذه التجربة ولكن قيادة شاحنة كان بمثابة حلم كبر معي منذ صغري حيث كنت اشعر بميول شديد لقيادة هذا النوع من المركبات، وباشرت بذلك رغم المعارضات الشديدة حتى من اقرب الناس لي واستطيع ان اقول بأن نسبة المعارضة كانت %99 ، وشخص واحد فقط شجعني وهو أبي، قدوتي وسندي طول الحياة ، فقد عارض الفكرة جميع أفراد عائلتي الا هو وقد تكفل بكل ما لزمني من حاجات مادية ومعنوية خاصة، وكثيرا ما تلقيت عبارات جارحة مثل"هذا غير مناسب لفتاة" و"هذا ليس اكثر من تبذير" وغيرها، ولكن بفضل ابي وارادتي استطعت اجتيازها بأمان.
- ما هي المصاعب او العراقيل التي واجهتك في عملية التعلم وحتى حصولك على الرخصة ؟
حالة ونوعية المصاعب التي مررت بها لا توصف، والضغط النفسي الذي سكن فيّ بين الفترة والاخرى كان شوكة دائمة في طريقي ولكني اقتلعتها من جذورها وباشرت في التحدي والحمد لله تغلبت عليها. وقد تنوعت المصاعب ما بين الاجتماعية والعملية مثل التأقلم على قيادة الشاحنة حيث انني لم اقد ولا اي نوع سيارة من قبل وكان الاجدر ان ابدأ تعلمي في مركبة عادية ومن ثم انتقل الى شاحنة، وقد استغرق معي الامر 3 سنوات ونصف حتى حصلت على الرخصة وحدث ذلك بعد 6 امتحانات عملية، ومن المشاكل الاخرى التي عانيت منها هي انني بدأت بالتعلم لدى معلمين لم اشعر باهتمامهم الكافي ولم اشعر بالراحة مما دفعني الى التفكير بالتوقف ولكني لم افقد الامل وانتقلت الى مدرسة الامير وهناك لاقيت ما احتاج اليه من كل النواحي المهنية والانسانية مما جعلني أستمر في تحقيق حلمي وعرفت ان قيادة الشاحنات لا تقتصر على الرجال فقط وانما انا قمت بنقل حقيقة نساء قديرات في المجتمع.
التكاليف ايضا كانت عرقلة بعض الشيء، فقد كلفتني التجربة اموالا كثيرة فمعروف ان دروس التعلم على شاحنة أغلى من الدروس على مركبة عادية، هذا عدا عن التوجهات المؤلمة من الكثير من الناس في الشارع والاماكن الاخرى، لكن بالمقابل كانت هنالك توجهات عكسية ومؤيدة جعلتني اشعر بالتميز فكثيرا ما صادفني اشخاصا وخاصة من الوسط اليهودي وقالوا "عربية ومحجبة وتقود شاحنة؟!". فهذا يثبت المثل الذي دائما يتردد على لساني وهو"خالف تعرف".
- هل تفكرين بمشاريع تربطك بالعمل على شاحنة؟ وأي نوع من الشاحنات تفضلين؟
في الحقيقة لا افكر بذلك ابدا وقد ذكرت في البداية ان الامر لم يكن سوى حلم اردت تحقيقه وفقط لا اكثر، وانا اليوم طالبة في موضوع استشارة الضرائب في كلية الادارة في حيفا واعمل في المجال في مكتب في الناصرة واصبو الى التقدم بعملي الحالي، اما بالنسبة للشاحنة فهي أمنية أكتفي بتحقيقها.
وانا اهوى قيادة الشاحنات الكبيرة التي تتعدى 12 طنا ولكن الامر لا يأتي بسهولة فالسياقة درجات ويجب ان يمر عاما منذ موعد استلام رخصتي حتى استطيع التعلم على 15 طن.
- ما هي اجمل لحظاتك اثناء قيادتك للشاحنة؟ وما الفرق بينها وبين المركبة العادية بنظرك؟
أجمل لحظات هي عندما توجه الي عبارات فخر وتقدير اعتبرها حضنا دافئا وتشعرني بالتميز ومنها تتضاعف ثقتي بنفسي.وبالنسبة للفروقات بين الشاحنة والمركبة العادية فهي مختلفة كليا من خلال تجربتي فانني اقود سيارة عائلتي العادية وأشعر كأني لا أقود تقريبا، فاعتيادي على الشاحنة جعلني اشعر كـ "زعيمة الشارع" وقيادتها المثيرة اعتبرها "متعة لا تعوض".
- كيف ينظر اليك المجتمع اليوم وخاصة انك فتاة ملتزمة بالدين ومحجبة؟ وما هو موقف الدين من تجربتك التي لا بد وان تربطك مع طلاب ذكور؟
اولا انا اشعر بأني اصبحت كبيرة بنظر الكثيرين من الناس وغالبية المعارضين تحولوا الى مؤيدين ولا يمر يوم دون ان يؤشر لي احدهم في الشارع قائلين"هياها البنت اللي بتسوق تراك"، وانني افتخر بنفسي لعدة اسباب أولها الاصرار والوصول، وثانيها حصولي على الرخصة قبل كثير من الشباب الذين بدأوا التعلم معي بنفس الفترة ومنهم من استسلم وانتقل الى مركبة عادية.
بالنسبة لحجابي والتزامي، فالدين لم يمنع اي شيء يكون بحدود الشرع وانا واثقة جدا بنفسي من هذه الناحية ولولا صلواتي ودعائي لرب العالمين لما تيسر امري، واستجابة الله لدعائي هي بمثابة رضى ان شاء الله وايماني بالله تعالى كان وما زال مستمرا ولو كان هذا المجال يبعدني عن ديني لكنت تنازلت عن الحلم، ولكني اعتبر الامر اختبارا من الله عز وجل وقد وجدت اني تقربت من الله اكثر واكثر، وبالنسبة لاختلاطي بالطلاب الذكور فقد اعتبرتهم جميعا كاخوتي وهم ايضا بادلوني بنفس الشعور، ولقائي بهم كان قليلا حيث ان ادارة مدرسة الامير واستاذي علي العمري قدموا لي الاحترام الكامل من هذه الناحية ووفروا لي الجو والوقت المناسب للدروس وانا اتشكرهم بشكل خاص.
- هنالك من يقول ان نسبة حوادث الطرق ازدادت مع ظهور النساء السائقات بكثرة، ما رأيك في ذلك؟
معروف ان المرأة لها صفات تميزها عن الرجل ومنها عامل الخوف او العاطفة،فالمرأة حساسة اكثر من الرجل ما يولد لديها عامل الخوف ولكني لا اعتقد ان هذا كافيا لتفسير ظاهرة ازدياد حوادث الطرق،ففي الفترة الاخيرة ضحايا حوادث الطرق كانت من فئة الرجال وهذا يعود الى عوامل مثل السرعة وغيرها يتصف بها الشباب وخاصة الجيل الجديد وما لنا الا الدعاء في حمايتنا أجمعين.
- نلاحظ ان الكثيرات من النساء اصبحن يخترن بمجالات كانت مقتصره فقط على الرجال. كيف تفسرين هذه الظاهرة بانخراط المرأة بمجالات كهذه؟؟
نحن اليوم نعيش بظروف حياتية تختلف عما كان في السابق .وأصبحت نسبة كبيرة من النساء تنخرط في مجالات عديدة ومتقدمة بعد ان كانت تعمل بمجالات معروفة ومحدده ومن وجهة نظري هذا ليس خطأ ان تطور المرأه نفسها وليس بعيب او شاذ، وهذا طبعا بسياق الشرع والدين والعادات والتقاليد التي تهتم بالحفاظ على المرأه وسمعتها ولا شك بأنها تمتلك العقل والقلب اللذان يستطيعان ان يعطيان وينتجان لابعد الحدود .
- هل تعتقدين بان نظرة المجتمع للمرأة اليوم باتت تختلف عن النظرة اليها في الماضي ؟
بالتأكيد ، فاليوم المرأه تعتبر من احد العناصر الاساسيه لنجاحات المجتمع . والمرأة عضو فعال ولا يستطيع المجتمع الاستغناء عنه ولا باي ظرف . الماضي كان الاعتماد كله فقط على الرجال لكسب لقمة العيش والذهاب الى سوق العمل أما اليوم فالمجتمع هو الذي يطلب المرأة للعمل و في اغلب بيوتنا نرى نساء عاملات متعلمات يحاولون الوصول لاعلى المراتب.
- كيف ينظر بنات جيلك اليك وهل يمكنك تحديد هذه النظرات ؟
هناك اختلاف بين نظراتهن تجاهي فمنهن من يحاولن تقليدي وانتحال جزء هام ومنهن العكس، فصحيح ان طموحاتي مختلفة وغريبة وانا اعتبرها مميزه ولكن بالنهاية كلنا نحاول الوصول الى ما نحلم ونطمح به.
وهنالك نسبة جيدة ممن انتقدنني سلبيا ولا ادري ان كان ذلك غيرة مني او حفاظا علي ، فقد اعتبرن الامر ضياعا للوقت وتبذيرا للنقود ونسين انه جرأة وشجاعة ونقل رسالة واضح عن مجتمع النساء الناجح الذي يطمح الى الكثير. وبالمقابل هنالك منهن من شجعني ولكن من بعيد فهن يخافون خوض التجربة ، وبالنهاية اقول اني لا اهتم كثيرا بالاراء الخارجية ويكفيني ان ابي يشجعني وينظر الي نظرة تقدير وفخر.
- العادات والتقاليد الى أي مدى تشكل عقبه بوجه النساء اللواتي يطمحن بالتقدم لاعلى المستويات ؟
العادات والتقاليد لها حق علينا في الحفاظ عليها،فهي لغة اجدادنا وتراثنا وان كانت المرأة تصبو الى تحقيق حلم معين ولا يشكل اساءة لأحد فهذا لا يعني انها انتهكت هذه العادات والتقاليد، فانا شخصيا صممت على تجربتي رغم شدة المعارضات كما ذكرت ولكوني فتاة ولست شابا او رجلا،ولكني لا اعتبر هذا منطقيا ما زال حلمي لا يؤثر على ايماني او عاداتنا وتقاليدنا العربية.
- ذكرى واحدة لا تفارق ذاكرتك؟
حدثت معي عدة "نهفات" مضحكة وجميلة ولا يتخيلها العقل،واحدة منها لا يمر يوم دون ان اتذكرها وهي انني عندما تقدمت الى مكتب الترخيص للحصول على مستند تفاصيل يؤهلني الى التقدم لامتحان السياقة النظري، ناولني الموظف مستندا دون ان يسألني شيئا او حتى ماذا اريد، وانا بدوري تناولته ورجعت الى البيت، وعندما قمت بفحصه وجدت بأنه ليس للتعلم على شاحنة وانما على مركبة عادية،فاتضح لي بعد ذلك ان الموظف لم يتوقع بأن فتاة عربية وخاصة محجبة تنوي التعلم على شاحنة، فلذا قام باعطائي مستند لتعلم السياقة على مركبة صغيرة كأي فتاة أخرى.