زراعة الانسجة.. اهم الاكتشافات العلمية
للقرن الحادي والعشرين.. والأمل
للتخلص من الأمراض
لا يوجد حد للتطور العلاجي والطبي.. فرغم استخدام البدائل الصناعية كأجهزة تعويضية لاعضاء الجسم والانسجة التالفة التي يتم استئصالها 'نقل الاعضاء' وهي أحد الاسهامات العلمية القيمة لعلوم القرن العشرين في مجال الطب.. وعلي الرغم من التطور المذهل في تلك الأجهزة التعويضية.. فإن تلك البدائل الصناعية عاجزة عن استعادة الوظائف المفقودة، بدرجة كافية اضافة الي انها مواد غريبة، فقد ادت الي التهابات علي السطح الملاصق للجسم.. ايضا علي الرغم من النجاح الكبير الذي يلقاه نقل الاعضاء من شخص لآخر فإنه يشوبها العديد من أوجه القصور.. اهمها عدم توفير المتبرعوين لكل الحالات المرضية.. ومن هنا كان التفكير في هندسة الأنسجة الذي بدأ تطبيقه مع بدايات القرن الحادي والعشرين والذي استفاد منه خلال الخمسة اعوام الماضية 300 الف مريض في العالم.. وهو الصرخة العلمية الرائعة لاعادة الانسان سليما معافي *بإذن الله* بعد ان كان علي شفا الموت.
ببساطة شديدة.. علم هندسة الانسجة من العلوم الحديثة والواعدة بحدوث تقدم كبير في مجال الطب.. حيث يعتمد هذا العلم علي تطويع الخلايا المستخلصة من الجسد البشري سواء خلايا جذعية أو متخصصة كي تنمو خارج الجسم 'داخل حضانات مجهزة' تسمح بتوجيه الخلايا لتتكاثر وتنمو فتكون الجسم المراد تعويضه أو يتم زرعها علي مواد حيوية ذاتية الذوبان والتي بدورها يتم غرسها داخل جسم الانسان لتنمو بصورة حقيقية حتي تعوض الاجزاء المفقودة والتالفة.
تطور علمي مذهل..!
ولأهمية هذا الحدث العلمي العالمي وتأثيره وتطبيقه في مجالات الطب المختلفة في علاج الكثير من الامراض.. ولتقييم ما حدث خلال الخمسة اعوام الماضية ومستقبل زراعة الانسجة.. وحتي لا تكون مصر بمعزل عن هذا التطور العلمي المذهل.. نظم المركز القومي للبحوث بالتعاون مع جامعة الاسكندرية وجامعة جورجيا بالولايات المتحدة الامريكية ورشة العمل المصرية * الأمريكية وذلك توطيدا لأواصر التعاون العلمي المشترك بين العلماء والجامعات والمعاهد العلمية الامريكية ونظرائهم المصريين.. ووصولا الي برامج بحثية مشتركة تستهدف خدمة التنمية العلمية والتكنولوجية في مصر.. وهو ما أكده د. هاني الناظر رئيس المركز القومي للبحوث.. مشيرا الي مشاركة 120 عالما وباحثا مصريا وامريكيا من جميع انحاء جامعات ومعاهد ومراكز جمهورية مصر العربية والشرق الأوسط وافريقيا.. ويعد الهدف الرئيسي لانعقاد هذه الورشة هو العمل علي زيادة الوعي العلمي بمجال هندسة الانسجة ومناقشة الجوانب الاخلاقية في هذا المجال وأثرها علي المجتمع اضافة الي ايجاد مناخ علمي مناسب للتعاون العلمي بين الباحثين وبين المؤسسات البحثية وخلق فرص لشباب الباحثين للتدريب وتطوير قدراتهم العلمية في هذا المجال الذي يعد من العلوم الحديثة الواعدة.
وعلي مدي خمسة أيام وخلال 12 جلسة علمية اشتملت علي 27 محاضرة وندوتين متخصصتين تمت مناقشة 12 بحثا علميا مقدما من الجانبين المصري والامريكي حول العلاج بزراعة الانسجة ومدي نجاحه ومستقبله في القضاء علي الكثير من الأمراض.
علاج لمرضي القلب..
د. مجدي يعقوب جراح القلب المصري العالمي المقيم في لندن اتي خصيصا للمشاركة في الورشة.. حيث قدم محاضرة تناولت أهمية مجال هندسة الانسجة كمجال طبي حديث.. واشار الي ان كما كبيرا من الامراض في الانسان يتضمن تلف الانسجة أو الاعضاء البشرية بطريقة لا تمكن من استرجاع وظيفتها الا اذا تم زرع انسجة أو اعضاء بديلة.. ولكن يحد من هذا النقص الشديد في اعداد المتبرعين الي جانب حدوث المضاعفات الناتجة عن رفض الجسم للأنسجة المزروعة.. لذلك كما يقول د. مجدي يعقوب فإن مجال هندسة الانسجة والعلوم والابحاث المتعلقة به والتي يمكن اجمالها في المصطلح الشامل 'طب اعادة تكوين الانسجة' يعد بالتغلب علي كثير من المعوقات والمصاعب.. ففي مجال امراض القلب والأوعية الدموية فإن هذا المجال يعد بالكثير من الأمل في مرض هبوط القلب وعيوب الصمامات القلبية وضيق الشريان التاجي خاصة ان هذه الامراض قد تفشت بصورة وبائية في العصر الحديث.
انتاج بدائل بشرية.!
أما د. روبرت نيريم رئيس مركز جورجيا التقني أوضح خلال الجلسة الافتتاحية للورشة النظرة الشاملة عن الوضع العلمي العالمي لمجال هندسة وزراعة الانسجة ومنظوره المستقبلي وتحدياته المتوقعة.
وهو ما فسره د. يحيي زكريا جاد استاذ ورئيس قسم الوراثة الجزئية الطبية بشعبة الوراثة البشرية وابحاث الجينوم بالمركز القومي للبحوث قائلا.. ان تخليق البدائل الطبيعية لجسم الانسان عن طريق هندسة الانسجة تطلبت تطور مجالات عديدة في العلوم مثل علوم المواد الحيوية والبيولوجيا الجزئية وعلوم الطب الاكلينيكي المختلفة والحديثة.. اضافة الي علوم صناعة الادوية الحديثة التي شهدت تطورا واسعا في التقنيات الحديثة وبرامج الكمبيوتر والمعلومات الطبية.. ومن هنا كما يقول د. يحيي زكريا ان علوم هندسة الانسجة هي النموذج المثالي لتداخل التخصصات العديدة مع بعضها وذلك لانتاج بدائل بشرية.
عن بدء تطبيقات هندسة الانسجة والمجالات الطبية التي تم استخدامها في علاج الامراض ومدي نجاحها يقول د. يحيي زكريا: ان التطبيق بدأ منذ خمسة أعوام مع بدايات القرن الحادي والعشرين.. فتستخدم هندسة الانسجة حاليا في الرقعات الجلدية الطبيعية في حالات الحروق. وبدائل طبيعية للقرنية التالفة والأوعية الدموية وصمامات القلب 'وانسجة الجهاز الهضمي' ايضا تم استخدامها في بدائل العظام والعضاريف والاسنان واجزاء متكاملة مثل الأنف والأذن والمفاصل.
كما تم استخدام الخلايا الحية والهندسة الوراثية لتكوين الانسولين الطبيعي أو الهرمونات والبروتينيات.. وظهرت المركبات التي تحمل العلاج الجيني والعقاقير المنتجة لهندسة الانسجة والمستمرة المفعول.
مستقبل زراعة الانسجة..
ويشير الي نجاح العلاج بالهندسة الوراثية عن طريق زراعة الأنسجة لنموها في جسم الانسان بصورة طبيعية بدلا من المواد التعويضية وما يسمي بنقل الاعضاء والتي غالبا ما يرفضها الجسم.. وعن المستقبل يقول مازال الأمل يعد بالكثير في امكانية استبدال الانسجة العصبية التالفة مثل حالات جلطة المخ والشلل الرعاش وضمور المخ واصابة الحبل الشوكي والمعروف عنها انها لا تتجدد تلقائيا في الجسم.
عن المستقبل ايضا يشير د. مصطفي العوضي رئيس شعبة الهندسة الوراثية والبيوتكنولوجي بالمركز القومي للبحوث.. الي انه سيمكن استخدام الهندسة الوراثية والعلاج الجيني في مرض الالتهاب الكبدي الفيروسي 'سي' مؤكدا من خلال البحث الذي قام به انه يمكن تصميم علاج يوقف تكاثر الفيروس. خاصة بعد ان تمت تجربة العلاج في المعمل علي خلايا بشرية مزروعة ومصابة بالفيروس من النوع الرابع وهو المنتشر بين المرضي المصريين.
أمراض الفك والوجه..
في مركز هندسة الأنسجة بكلية طب الاسنان.. بجامعة الاسكندرية *حيث أقيمت الورشة* والذي يعد من المراكز الرائدة في المنطقة العربية والشرق الأوسط وافريقيا.. تشير د. مني مرعي الاستاذ بطب الاسنان وممثل الدول النامية بالجمعية العالمية لهندسة الانسجة الي ان المركز يشتمل علي التجهيزات العلمية والمعملية التي تمكن من اجراء الابحاث العلمية في هذا المجال وتمكن من التعاون العلمي والتكنولوجيا وتبادل الخبرات والباحثين بين مصر والولايات المتحدة الامريكية.
وتضيف انه رغم التطور الدائم لطرق العلاج التقليدية والتي تدرجت من انقاذ حياة المريض وذلك باستئصال الاعضاء والانسجة التالفة والأورام.. ومع تطور طرق الجراحة الحديثة والتعقيم والتخدير.. والتطور الهائل الذي حدث خلال القرن العشرين من ايجاد تقنيات جديدة للتعويض من البدائل الصناعية مثل الاطراف والاسنان التي تزرع بالجسم بنجاح والتي اعتبرت من احد اهم الاسهامات العلمية القيمة في الطب الاكلينيكي الا انها تظل عاجزة عن القيام بالوظيفة المفقودة للعضو الطبيعي اضافة الي ردود الفعل السلبية لجهاز المناعة في تقبل العضو المزروع.. ولهذا تأتي هندسة الانسجة كاكتشاف رائع يعتمد علي تطويع الخلايا المستخلصة من الجسد البشري سواء خلايا خذعية أو متخصصة كي تنمو خارج الجسم وذلك بتمهيد ظروف النمو الملائمة.
الخلايا البديلة
وأخيرا كيف يمكن زرع وبناء نسيج جديد.. ما هي الأسس العلمية اللازمة لنجاح هذا البناء.. هذا التساؤل أجاب عنه د. راتنر استاذ الانسجة بجامعة واشنطن في احدي محاضرات الورشة حيث عرض بعض الامثلة ببرامج بحثية في جامعته حيث يتم من خلال برنامج هندسة الانسجة القلبية دراسة المواد المسامية اللازمة لتنشيط بناء الأوعية الدموية والمواد المستخدمة في تحفيز الخلايا العضلية القلبية واحلال انسجة بديلة مكان الجزء التالف في مرض الذبحة الصدرية.. واستخدام الخلايا الجذعية لاستبدال الخلايا العضلية التالفة.. وهو ما يتم ايضا في برنامج هندسة نسيج المريء.
ايضا يشير د. باديلاك من جامعة بتسبرج الي ان الوسط الحيوي المحيط بالخلايا البديلة يتم الحصول عليه عن طريق معاملة النسيج البديل بنزع الخلايا الاصلية منه ثم تعقيمه قبل استعماله كهيكل حيوي فعال في تطبيقات هندسة الانسجة.. وقد أثبتت التجارب ان اكثر من 300 الف مريض قد تم زرع اوساط وهياكل معالجة لهم علي مدار الخمسة اعوام السابقة في عديد من التطبيقات العلاجية مثل جروح الجلد المزمنة واستبدال انسجة عضلية وليفية تالفة واعادة تركيب انسجة القلب والأوعية وكذلك انسجة الجهاز الهضمي.. وتعتبر اعادة الهيكلة للنسيج ناجحة عندما يتم تحلل الوسط المعالج المزروع في الجسم واستبداله بآخر جديد من الجسم ذاتيا ويحتوي علي الخلايا الذاتية المطلوبة فيصبح نسيجا جديدا كفئا وظيفيا.. وهو ما يتم ايضا لاسترجاع غضاريف المفاصل حيث يعتبر امراض الغضاريف المفصلية من الامراض الشائعة وتنتج من تحلل الغضاريف بسبب الشيخوخة أو اصابتها في الحوادث.. وان كان احلال الغضاريف عن طريق زراعة الانسجة يواجه عدة تحديات تقنية الا انه للتغلب علي ذلك فقد تم تصميم هيكل يحتوي علي الخلايا العظمية الغضروفية المحيطة بالجزء المصاب مما ساعد علي توفير بيئة صالحة لنمو الغضروف واعادة عمله بكفاءة وهو ما اكدته د. بربارة بوبان من جامعة جورجيا مما سيكون له أبلغ الأثر في العلاج مستقبلا.
